ترأس وزير النقل، السعيد سعيود، أمس اجتماعا تنسيقيا خصص لمتابعة مدى جاهزية القطاع للمساهمة في إنجاح معرض التجارة البينية الإفريقية (IATF 2025) المرتقب من 4 إلى 10 سبتمبر المقبل بالجزائر، حسبما أفاد به بيان للوزارة.
وحضر الاجتماع الرؤساء والمدراء العامون للمؤسسات التابعة للقطاع، إلى جانب عدد من الإطارات المركزية للوزارة، حيث تم تقديم عرض تقني مفصل حول وضعية الحظيرة المخصصة لاستقبال الوفود والعارضين، وعدد الحافلات المسخرة ونسبة جاهزيتها، والقدرة الاستيعابية لمواقف المركبات، فضلا عن مخطط النقل والسير.
إلى هنا كل شيئ عادي. لكن ما هو غير عادي هو غياب فاعل رئيسي في ضبط قطاع النقل، خاصة في مثل هذا الموعد، ويتمثل في المجلس الوطني للنقل البري.
حيث تقول المادة 53 من قانون توجيه النقل البري أن هذا المجلس "يبدي المجلس الوطني للنقل البري رأيه في كل مسالة ذات طابع تقني أو مالي أو إقتصادي أو إجتماعي متعلقة بتطوير قطاع النقل البري وتنظيمه وسيره".
آخر اجتماع تنسيقي ترأسه وزير النقل سعيد سعيود في جانفي الماضي، حول نشاط النقل البري، حضي بتغطية إعلامية كبيرة. وأشار البيان الصادر عن وزارة النقل حوله إلى حضور إطارات الوزارة ومدراء الشركات الكبرى النشطة في القطاع والمدراء الولائيين للنقل.
ولم يشر البيان إلى أي حضور باسم المجلس الوطني للنقل البري سواء بشكل مباشر أو غير مباشر.
ويعيدنا هذا الغياب إلى تعليق المحامي والقاضي السابق، عبد الله هبول على الندوة الصحفية لوكيل الجمهورية لدى محكمة الدار البيضاء، حول قضية حادث سقوط حافلة في وادي الحراش.
"إن معرفة الحقيقة وحصر الأسباب وتحديد المسؤوليات من القاعدة إلى القمة في حادث سقوط حافة في وادي الحراش... لا يمكن أن يتم دون تطبيق القانون رقم 13/01 المتعلق بتوجيه النقل البري.." كتب عبد الله هبول، في صفحته على فيسبوك، تعليقا إيداع أربعة اشخاص الحبس المؤقت، هم سائق الحافلة وقابض التذاكر ومالك الحافلة والمراقب التقني للمركبات، عن تهمة القتل الخطأ.
المجلس الوطني للنقل البري كيان قانوني دون وجود ميداني
صدر المرسوم التنفيذي المتعلق بتشكيلة المجلس الوطني للنقل البري وصلاحياته في عام 2003، وينص المرسوم على ترأس المجلس من قبل ممثل عن وزير النقل، وتضم التشكيلة ممثلا عن عدة وزارات، منها السكن والشغال العمومية والدفاع والداخلية والمالية والصناعة.
وينص المرسوم على اجتماع المجلس مرتين كل سنة في دورة عادية... ويمكن أن يجتمع متى إستدعت الضرورة ذلك بطلب من وزير النقل.
كما يقوم المجلس بإعداد تقرير سنوي يسلمه لوزير النقل، ويدون كل آرائه وتوصياته في محضر يسلم لوزير النقل كذلك. وتتمثل المجالات التي يبدي فيها رأيه وتوصياته، في "السياسة الوطنية للنقل" و"استراتيجية تطوير قطاع النقل" و"الامتيازات الممنوحة في إطار أحكام المادة 21 من القانون رقم 13/01" وتتعلق بمنح إمتياز إستغلال السكك الحديدية لمؤسسات خاضعة للقانون الجزائري.
إضافة إلى إبداء رأيه في "التنظيم العام لنشاطات مختلف أنماط النقل..." وكذا "تسعيرة خدمات النقل".
في عام 2021، عقد وزير النقل (عيسى بكاي آنذاك) لقاء مع مختلف الاتحاديات الممثلة للعاملين في قطاع النقل، منهم رؤساء الفيدرالية الوطنية لمراكز تكوين السائقين، الاتحادية الوطنية لمدارس تعليم السياقة، الاتحادية الوطنية لوكالات المراقبة التقنية للسيارات، الاتحادية الوطنية لسيارات الأجرة، الاتحادية الوطنية لناقلي البضائع والمسافرين والفيدرالية الوطنية لوكالات السياحة والفندقة.
ونقرأ في التقارير الإعلامية عن هذا اللقاء، أن الوزير "عبر عن إستعداده لإعادة بعث المجلس الوطني للنقل البري".
ولم يتمكن عيسى بكاي من تجسيد وعده بما أنه رحل في نفس العام عن وزارة النقل. كما لا نجد أثرا لهذا المجلس في عهد الوزير الذي خلفه، أي كمال بلجود ولا في عهد الوزير الحالي.
وإعتبر الفاعلين في قطاع النقل آنذاك المجلس الوطني للنقل البري " قاعدة أساسية في الحوار والتنسيق بين الشركاء الاجتماعيين والإدارة المركزية".
وظل هذا المجلس مجرد كيان قانوني، دون وجود ميداني، منذ عام 2007 على الأقل، حيث تم تنصيب تشكيلته الأولى عام 2004، لفترة ثلاث سنوات، كما ينص عليه المرسوم المحدد لتشكيلته وصلاحياته وسيره.
بينما تعاقبت على تسيير شؤون البلاد خلال هذه الفترة عدة حكومات وعدة وزراء نقل وعدة تشكيلات برلمانية.
فقد تعاقب أحمد أويحيى وعبد العزيز بلخادم وعبد المالك سلال ونور الدين بدوي وعبد العزيز جراد وأيمن بن عبد الرحمان وندير العرباوي على رأس الحكومة طيلة هذه الفترة.
فيما تعاقب على رأس وزارة النقل كل من المرحوم محمد مغلاوي وعمار تو وعمار غول وبوجمعة طلعي وعبد الغني زعلان ومصطفى كورابا وفاروق شعلي ولزهر هاني وكمال ناصري وعيسى بكاي وعبد الله منجي وكمال بلجود ويوسف شرفة ومحمد لحبيب زهانة، وصولا إلى الوزير الحالي سعيد سعيود.
وكيل الجمهورية، قال في ندوته الصحفية أن المحكمة "لن تتوانى في توجيه التهمة لكل من تثبت علاقته من قريب أو من بعيد" بقضية حادث سقوط الحافلة في وادي الحراش.
هل ستدعي المحكمة كل هؤلاء بالمسؤولين تهمة تعطيل تطبيق القانون؟
حسب المحامي والقاضي السابق، عبد الله هبول " قانون 13/01 المتعلق بتوجيه النقل البري صدر في عهد بوتفليقة وتم تعديله مرتين في عهد بتفليقة ومرة ثالثة في 2019، وهذا معناه أن القانون مرت عليه 24 سنة".
ودستور عام 1996، ينص في مادته ال85 على أن "رئيس الحكومة يسهر على تنفيذ القوانين والتنظيمات" ثم جاء دستور 2008 الذي يعطي هذه الصلاحية للوزير الأول وأخيرا دستور 2020 الذي ينص في مادته 112، أن "الوزير الأول أو رئيس الحكومة يسهر على تنفيذ القوانين والتنظيمات".
من هذا المنطلق يقول هبول "رؤساء الحكومات والوزراء الأولين مسؤولين على إتخاذ كافة التدابير الإدارية والقانونية والمادية لتجسيد القوانين في أرض الواقع" ويضيف "أول صلاحية تنص عليها كل المراسيم المتعلقة بصلاحيات الوزراء كل في قطاعه، هو السهر على تطبيق القوانين".
وعليه فإن "مسؤولية الحكومة قائمة وتتمثل في التقصير" يقول المحامي" متسائلا في الأخير "أين المنتخبين البرلمانيين؟ هل قاموا بعملهم الرقابي لعدم تطبيق الحكومة القوانين؟ أم أنهم يصادقون على القوانين ثم يتركونها حبرا على ورق ويقتصر تطبيقها على الجانب الردعي والقمعي؟"