B E R H G A M

T N E G R E M E

أحدث الأخبار

الدوحة تُقصَف: ممالك الخليج في مواجهة سوق الوهم الأمريكية

Par Oussama Nadjib
13 سبتمبر 2025
أول من زار الدوحة بعد الهجوم هو محمد بن زايد، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة

أحدث الهجوم الإسرائيلي على الدوحة، عاصمة قطر، زلزالًا سياسيًا في العالم العربي. باستهداف قادة من حركة حماس كانوا مجتمعين لمناقشة وقف إطلاق النار، ضربت إسرائيل قلب دولة حليفة للولايات المتحدة، وعلى بعد كيلومترات فقط من أكبر قاعدة عسكرية أمريكية في المنطقة.

أول من زار الدوحة بعد الهجوم على مبنى كان يجتمع فيه مسؤولون من حماس، هو محمد بن زايد، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، أكثر أمراء الخليج تأييدًا لإسرائيل وعداءً للفلسطينيين، وخصم قطر اللدود. العداء المتكرر لمحمد بن زايد تجاه قطر تراجع أمام صدمة الرسالة الأمريكية التي حملها هذا العدوان.

الرسالة واضحة وصارمة: الهجوم وقع على بعد كيلومترات قليلة من قاعدة "العديد" الأمريكية، وهي مركز القيادة الرئيسي للعمليات الأمريكية في الشرق الأوسط، وتضم أنظمة مراقبة جوية ودفاعية من بين الأكثر تطورًا في العالم. من غير المعقول أن تكون الطائرات الحربية الإسرائيلية قد نفذت العملية في المجال الجوي القطري دون أن يتم رصدها. العملية تمت إذًا بموافقة — وربما بدعم — من واشنطن. تنطبق تمامًا المقولة الشعبية: "حاميها حراميها".

رسالة قاسية

لا السيادة القطرية، ولا الوجود الأمريكي، شكّلا عائقًا. والأهم، أن صداقات دول الخليج المعلنة مع واشنطن لم يكن لها أي وزن. دول الخليج، التي تنفق بلا حساب وتستعد لاستثمار آلاف المليارات في الولايات المتحدة لإرضاء ترامب، تكتشف أن "الحماية" الأمريكية ليست سوى صفقة خداع. فهي لا تعمل إلا في مواجهة تهديد إيراني محتمل؛ لكنها لا تعمل ضد إسرائيل. المملكة العربية السعودية سبق أن اختبرت هذا الواقع المرّ بعد هجمات الحوثيين بطائرات مسيّرة على منشآتها النفطية. إسرائيل تبقى، في الواقع، الحليف الاستراتيجي الوحيد والدائم لواشنطن في الشرق الأوسط.

بيادق تدفع ثمناً باهظاً

منذ اتفاقيات أبراهام، قامت عدة ممالك خليجية بتطبيع علاقاتها مع إسرائيل، مراهنة على تحالف استراتيجي مع واشنطن. في المقابل، خفّضت دعمها للقضية الفلسطينية — بل، كما فعلت الإمارات، أظهرت عداءً صريحًا للفلسطينيين. يكشف الهجوم على الدوحة حجم هذه التنازلات: دول الخليج، ومعها المملكة المغربية، تخلّت عن غزة التي تتعرض لإبادة جماعية، وظلت صامتة أمام الاستيطان العلني في الضفة الغربية، مقابل وعد بالحماية لم يتحقق. صفقة خداع دفعت ثمنها بالفعل أكثر من 60 ألف قتيل فلسطيني ومليارات الدولارات المهدورة.

في الخليج، حيث الرأي العام مؤيد  بشكل كبير للولايات المتحدة، تتصاعد موجات الغضب. على وسائل التواصل الاجتماعي، تنهال الانتقادات على القادة الذين يُتهمون ببيع كرامتهم مقابل أوهام: "باعوا فلسطين وتعرضوا للإهانة في عقر دارهم"، "واشنطن تحمي إسرائيل، لا نحن". هذه هي النغمة السائدة.

حتى بعض النخب، التي عادة ما تكون حذرة، بدأت تُظهر خيبة أمل مكبوتة. الرسالة الأمريكية، التي انطلقت من قاعدة العديد، واضحة: دول الخليج ليست حلفاء حقيقيين، بل زبائن وأدوات، خاصة في مواجهة إيران. إسرائيل، بدعم أمريكي، تُثبت أنها قادرة على العمل دون عقاب، حتى على أرض دولة تستضيف آلاف الجنود الأمريكيين.

قطيعة مستحيلة

أمام هذا الإذلال، يتحدث البعض عن التوجه نحو الصين أو روسيا. لكن ذلك يبقى في إطار الخيال السياسي. التبعية السياسية لدول الخليج تجاه الولايات المتحدة هي سجن بثلاثة أقفال: جيوشهم مجهّزة من الصناعة الأمريكية، اقتصاداتهم مرتبطة بالدولار، نخبهم متخرجة من الجامعات الأمريكية، واستقرارهم الداخلي يعتمد إلى حد كبير على دعم — أو تساهل — واشنطن.

حتى غضبهم "الرسمي" يبقى محدودًا، محسوبًا، دبلوماسيًا: لا قطيعة، لا عقوبات، لا مراجعة استراتيجية. مجرد كلمات، بيانات، استنكارات بلا أثر. التحرر غير مطروح أصلًا. وعندما نعلم أن هذه الدول الخليجية أصبحت مهيمنة داخل جامعة الدول العربية، حيث تفرض إيقاعها، ندرك مدى ضعف الدول العربية الأخرى التي تخنق التعبير الحر لشعوبها.

الهجوم على الدوحة يعمل ككاشف. يكشف هشاشة التحالفات العربية، وقسوة موازين القوى، ووهم الشراكة المتكافئة مع الولايات المتحدة. ويذكّر بأن المصالح هي التي تحكم اللعبة الجيوسياسية، لا الصداقات، وأن الشعوب العربية لم تنسَ فلسطين — لا غزة، ولا القدس، ولا الوعود الخائنة. ولن تنسى الدوحة.