درست الحكومة في اجتماع اليوم مشروع قانون يتعلق بتعديل قانون مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب. وصدر القانون الساري المفعول في هذا المجال عام 2005، وتم تعديله عام 2012 ثم في عام 2023.
وجاء في بيان الحكومة الصادر في هذا الخصوص أن مشروع التعديل الجديد "يندرج في إطار الجهود الرامية للتكييف المتواصل للإطار التشريعي الوطني مع التزامات الجزائر الدولية، لا سيما مع توصيات مجموعة العمل المالي وكذا تعزيز الآليات القانونية لمكافحة هذه الجرائم والتكيف مع التطورات التي تعرفها".
وصدر تقرير لمجموعة العمل المالي الدولية الخاصة بمكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب يخص الجزائر في عام 2023، وحمل عدة ملاحظات، بدأ بالإشارة إلى أن "الجزائر قامت بخطوات أولية وإيجابية تهدف إلى تعزيز فهمها لمخاطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب، من خلال تشكيل لجان ووحدات عمل تقنية قطاعية وجمع البيانات اللازمة لعملية تقييم المخاطر". لكن يضيف التقرير "ومع ذلك، لم يُستكمل تقييم المخاطر الوطنية بعد، ولا يزال في مراحله الأولية. وقد أظهرت السلطات المختصة فهماً عاماً وغير موحد لهذه المخاطر".
وسجل التقرير من جهة أخرى أنه "لدى الجزائر سياسات خاصة لمعالجة بعض الجرائم، وقد اتخذت عدة تدابير على المستوى الاستراتيجي بهدف تقليص المخاطر". كما لاحظ أن "السياسات والإجراءات المعتمدة تستند إلى فهم عام وغير موحد من قبل السلطات لمخاطر غسيل الأموال وتمويل الإرهاب".
ما يعيبه تقرير مجموعة العمل المالي على الجزائر
وفي تقييم مجموعة العمل الدولية لعمل خلية الاستعلام المالي الجزائرية، قال التقرير "وعلى الرغم من التحديات التي تواجه خلية معالجة المعلومات المالية، والتي تشمل نقص الموارد، وانعدام الرقمنة، وغياب الإبلاغ عن العمليات المشبوهة من قِبل عدد من الجهات، وضعف جودة تلك البلاغات عند ورودها وتركزها على قضايا التصدير، فإن معظم التقارير التي تصدر عن خلية معالجة المعلومات المالية، رغم محدوديتها، ساهمت بشكل معقول في إطلاق أو فتح تحقيقات في جرائم غسيل الأموال أو تمويل الإرهاب من قبل السلطات المختصة".
ولاحظ تقرير مجموعة العمل المالي أيضاً أن الجزائر تقوم بـ"مصادرة الأموال التي يتم نقلها عبر الحدود دون تصريح أو بتصريح كاذب، وتفرض غرامات متناسبة ورادعة، كما تعمل على مصادرة واسترداد الأموال من الخارج بمبالغ كبيرة في سياق قضايا غسيل الأموال والفساد، دون أن يشمل ذلك الجرائم الأخرى ذات الطابع العابر للحدود".
ويعترف التقرير أن الجزائر "تلجأ إلى إجراء تحقيقات مالية موازية، وتستخدم تقنيات وأساليب تحقيق خاصة في ملاحقة مختلف أنواع نشاط تمويل الإرهاب (جمع الأموال، وتحريكها، واستخدامها)، وذلك بطريقة تتماشى مع هيكل المخاطر التي تتعرض لها الجزائر. وتُفرض عقوبات متناسبة، مع الأخذ في بعض الحالات بظروف المتهمين في قضايا تمويل الإرهاب، ومع ذلك تُعتبر هذه العقوبات بشكل عام رادعة".
الاختلاف حول مفهوم الإرهاب أكبر العقبات
وأكبر إشكالية تواجهها الجزائر في مجال مكافحة تبييض الأموال وتمويل الإرهاب تتعلق بالاختلاف في المفاهيم. إذ يشير تقرير مجموعة العمل المالي إلى أن الجزائر "وضعت الإطار التنظيمي اللازم لتنفيذ قرارات مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ذات الصلة بمكافحة الإرهاب وتمويله داخل البلاد. ومع ذلك، فإن الآلية المعتمدة لترجمة التسميات الصادرة عن الأمم المتحدة وتنفيذ تجميد الأصول لا تضمن التطبيق الفوري لها دون تأخير. كما أن الجزائر لم تحدد الفئة الفرعية من المنظمات غير الربحية التي تندرج ضمن تعريف مجموعة العمل المالي، ولا تُجري رقابة مستهدفة قائمة على المخاطر على تلك الجهات".
وواضح أن التقرير يتحدث عن المنظمات والحركات التي تصنفها القوى الغربية منظمات إرهابية، بينما تعتبرها الجزائر ودول أخرى حركات تحرر أو مقاومة. وتأتي على رأس هذه الحركات حماس الفلسطينية، حيث أقدمت الولايات المتحدة مؤخراً على تصنيف جمعية "البركة" الجزائرية على أنها تمول المقاومة الفلسطينية، بسبب نشاط هذه الجمعية في المساعدات الإنسانية لفائدة الفلسطينيين. كما خطت المفوضية الأوروبية خطوة في نفس الاتجاه، بإدراج الجزائر في قائمة الدول ذات خطر تبييض الأموال وتمويل الإرهاب موازاة مع إخراج عدة دول معروفة باستقطابها لأموال الفساد من كل دول العالم، من القائمة.
ويعيب التقرير على الجزائر في هذا الإطار كونها "لم تُنشئ الإطار القانوني والتنظيمي اللازم لتنفيذ متطلبات تجميد الأصول الخاصة بقرارات الأمم المتحدة ذات الصلة بتمويل انتشار أسلحة الدمار الشامل داخل البلاد، مما أثّر سلباً على فهم السلطات الرقابية والجهات الخاضعة لمتطلبات التوصية السابعة". وتتمثل هذه التوصية في "قراري مجلس الأمن رقم 1718 (2006) و2231 (2015) المتعلقين بمنع انتشار أسلحة الدمار الشامل وتمويلها، خصوصاً ما يخص كوريا الشمالية وإيران" و"تجميد الأصول الخاصة بالأشخاص والكيانات المُدرجين في قوائم مجلس الأمن فوراً" و"منع توفير الأموال أو الأصول أو الخدمات المالية لهؤلاء الأفراد أو الكيانات، بشكل مباشر أو غير مباشر" و"اتخاذ تدابير رقابية وتشريعية فعالة لضمان الامتثال داخل المؤسسات المالية والمهن غير المالية المحددة". وكل هذه النقاط من الصعب على الجزائر الامتثال لها بالنظر لاختلافها الكبير مع المواقف الثابتة للجزائر إزاء القضايا الدولية.
في مسألة أخرى، يقول التقرير "اتخذت الجزائر عدة تدابير لمنع إساءة استخدام الكيانات القانونية لهذه الأغراض، إلا أن هذه التدابير تظل محدودة وغير كافية. فلا توجد آليات تضمن دقة وتحديث المعلومات الأساسية المسجلة في المركز الوطني للسجل التجاري".
أما في مجال تسليم المطلوبين، فالتقرير يعتبر السلطات الجزائرية "تنفذ طلبات المساعدة القانونية الواردة في الوقت المناسب، ومعظم الردود المقدمة تكون بالجودة المطلوبة، رغم وجود بعض التأخير في الرد على بعض الطلبات" مضيفاً "وقد تلقت الجزائر طلبات تسليم، كان معظمها لأشخاص غير جزائريين، وتم تسليم بعضهم ضمن آجال زمنية معقولة. أما بخصوص طلبات تسليم المواطنين الجزائريين، فإن الجزائر ترفض تسليمهم" ومع ذلك سجل "بالنسبة لطلبات تسليم المواطنين الجزائريين التي ترفض الجزائر تسليمهم بموجب تشريعاتها، فقد اقتصر الأمر على طلب واحد تم تنفيذه من قبل السلطات القضائية الجزائرية دون تأخير".
طلبات المساعدة القانونية الجزائرية تتمتع بجودة عالية، لكن...
وفيما يتعلق بطلبات المساعدة القانونية الصادرة عن الجزائر، فيقول التقرير "معظمها يتمتع بجودة عالية، وقد أسفرت عن تجميد ومصادرة واسترداد أموال من الخارج في سياق قضايا الفساد والرشوة وغسيل الأموال، دون أن يشمل ذلك الجرائم الهامة الأخرى ذات الصلة بالسياق الجزائري"، وهنا تكمن نقطة الخلاف الأخرى بين السلطات الجزائرية وشركائها الأجانب، حيث يجد القضاء الجزائري صعوبات كبيرة في إقناع الأطراف الأجنبية بالملفات القضائية المرتبطة بتهم الفساد أو الإرهاب، لكنها ذات صلة بالظرف السياسي الذي تمر به البلاد.
وتلخص الفقرة التالية الواردة في تقرير مجموعة العمل المالي نقاط الخلاف القائمة بين الجزائر وهذه الهيئة: "أما عن أنواع الجرائم التي تستند إليها طلبات التعاون الصادرة عن الأجهزة القضائية الجزائرية، فقد انحصرت في الفساد والرشوة، وبدرجة أقل في جرائم الاتجار بالمخدرات، وتهريب السلع، وتهريب المهاجرين، في حين أن التعاون في مجال مكافحة الإرهاب وتمويله لا يزال محدوداً للغاية، وفي بعض الحالات يكاد ينعدم تبادل المعلومات مع الدول المجاورة، وهو ما لا يتماشى مع ملف المخاطر الذي تواجهه الجزائر".